2010/11/20

جنة النكد

نشرت هذه المقالة في جريدة مقال الألكترونيه بتاريخ 20نوفمبر2010

اليوم سأكون نديمكم , و سأغني لكم طرباً و سأذيقكم خمراً , فمن كان منكم خماراً طروباً سيتقيأ من سقيانا له , و من كان منكم ناسكاً عابداً فسيترهبن خوفاً و ورعا , و سأجعل لكل منكم ساقيه فأختر من بين عباد الله من كنت أنت اشد ظالميه , و سأنشد لكم طرباً لم تسمعوه من قبل , فلن أتغزل بأعطاف العامرية و سليمى و عباسة معشوقة كل برمكي , إنما سأسبك غزلاً بجمال أجسادكم و ما آلت إليه أوصافكم من بعد مماتكم , فليدلق نادمكم و ساقيكم قدحاً من مظلوميته في كؤسكم , و أقرعوها ببعضها حتى تصبحوا كما أنتم شركاء بظلمهم و شركاء بشرب قليلاً من مظلوميتهم , علها تذهب عقولكم كما أذهبتم عقولهم هما و غماً , و لا تفرطوا في سكرتكم فاني أخاف عليكم الموت كمداً كما مات ضحاياكم , أعيروني أسماعكم و أبصاركم

باتوا على قللِ الاجبـال تحرسُهـم ** غُلْبُ الرجالِ فلم تنفعهمُ القُلـلُ
و استنزلوا بعد عزّ عـن معاقلهـم ** و أودعوا حفراً يابئس ما نزلوا
ناداهمُ صارخٌ من بعد مـا قبـروا ** أين الاسرّةُ و التيجانُ و الحللُ
أين الوجوه التـي كانـتْ منعمةً ** من دونها تُضربُ الأستارُ و الكللُ
فافصـحَ القبرُ عنهم حين ساءلهم ** تلك الوجوه عليها الدودُ يقتتـلُ
قد طالما أكلوا دهراً و ما شربـوا ** فأصبحوا بعد طول الأكلِ قد أكلوا
و طالما عمّـروا دوراً لتُحصنهم ** ففارقوا الدورَ و الأهلينَ و ارتحلوا
و طالما كنزوا الأموال و ادّخروا ** فخلّفوها على الأعـداء و انتقلـوا
أضحت منازلُهـم قفـراً معطلـةً ** و ساكنوها الى الاجداث قد رحلوا
سـل الخليفة إذ وافـت منيتـهُ ** أين الحماة و أين الخيلُ و الخولُ
اين الرماةُ أما تُحمـى بأسهمِهمْ ** لمّا أتتـك سهـامُ الموتِ تنتقـلُ
أين الكماةُ أما حاموا أما اغتضبوا ** أين الجيوش التي تُحمى بها الدولُ
هيهات ما نفعوا شيئاً و ما دفعوا ** عنك المنية إن وافى بها الأجـلُ
فكيف يرجو دوامَ العيش متصـلاً ** من روحه بحبالِ المـوتِ تتصلُ

يا سائراً بين خلق الله بأنسابه مفتخراً , أتدري بأي نطفة من أعقاب نطفٍ بها تفتخرُ , أيها المختال بممشاك فَرِحاً أتعلم أن مابين جنبيك لو كُشِف على أمك لأستقذرتك , ألم تر الذي تنعم به و تمنعه عن كل جائعٍ الى أي قذارةٍ صيرورته , أنظر الى كل جميلٍ و جميلةٍ تنتنهم عرقة , و انظر الى كل من تسامى بأجداده شرفاً فلا زال محييه سائلٌ نجس , أترى ماتطأها بأقدامك مستقذراً منها و متقززاً من ماتعلق بأقدامها إعلم بأن أحفادها أو أحفاد أحفادها سيعتاشون على عينيك و شفتيك و سينخر عظمك من تكالب اسنانهم , أترى التي تأكل قذارتك لن تتورع عن أكلك , أي شرف تتعالى به عمن هم دونك و أنت إبن نطفة نجسه وضعت في ظلمة قذرة تدور في فلك قيحها فخرجت و على من استوعبك فرضت نجاسة أيام عشره , اي شرف تتفاخر به و منتهاك جيفة ان لم يكرمها أهلها لما أستطاعت النائحات الثكلى على فراقك الأقتراب منك من شدة عفانتك , أتعلم على من أنت مقبل , و عن من أنت مدبر , مقبل على من يستمع شكوى من أدبرت عنه , أتعلم إلى أي منتقم لا يرأف بغاصب حق ذهابك , أتعلم لاي عدالة أنت متجه ؟ , أتعلم لأي ميزان لإعطاء الحقوق سيقاضيك و يحاكمك , إنكم ذائقوه و لو بعد حين , رأيته راقصاً بين الجموع اليافعه غير مسيطر و لا هو مدرك أنه فقد آخر أنفاس هيبته , رأيت الموتورين قهقهوا شامتين على حال واترهم , فتذكرت قول الله جل و علا : و من نعمره ننكسه في الخلق , إن كنت قد أخرجتكم من جنتكم التي صنعتموها بغفلتكم لأنفسكم فعودوا حيث كنتم , فلا أنتم قرأتم و لا أنا كتبت .

*القصيده للإمام علي بن محمد الهادي عليهما السلام


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون