2010/10/25

طغاة الفكر

نشرت هذه المقالة في جريدة الراي بتاريخ 25أكتوبر2010

تراث فكري متوارث متناقل عبر الجينات من الجدين قحطان وعدنان ما زال هو المتسيد في تنظيم الفكر لدى الأحفاد، وعلى رغم جهاد المصطفى في نسف هذا التراث إلا أنه عاد للحياة مرة أخرى وبتأصيل أشد من السابق، بتهيئ الأرضية المناسبة لهذا الفكر لكي ينتج ما هو أفضل لخدمة المروجين له، مصادرة الرأي الآخر، وتهميش وسحق رأي الأقلية... هذا هو الذي من أجله تفنى الشعوب، قانون ومنهجية سادت لدى الشعوب العربية منذ نشأتها والمحرك الأول والأخير لها هو العاطفه الدينية والانحياز الطبقي، والمضحك هو التبرير لهذا الفكر بدعوى الديموقراطية، الأخذ برأي الأغلبية مع عدم تهميش رأي الأقلية، وعدم التعدي على حقوقهم واحترام معتقدهم... هذا هو الجوهر الحقيقي للديموقراطية المغيبة حالياً، ونجد في المقابل أن هناك حديثا نبويا شريفا صرح بالتعددية في الطوائف الإسلامية «تتفرق أمتي بعدي بضع وسبعون فرقة» أو على طريق آخر ثلاث وسبعون، المهم أن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أكد على التعدد الإسلامي الفكري، ونجد من يضعون ما أكده النبي الكريم خلف ظهرانيهم ضاربين به عرض الحائط ساعين لمنهجيتهم في إجبار الناس على ما يتوافق مع آرائهم، والمسوغ القانوني لهم هو ديموقراطيتهم المصطنعة البعيدة عن الديموقراطيه الإسلامية والمدنية، منطق غريب ولكن رغم غرابته الا أنه ما زال إلى يومنا هذا معمول به، إن لم تكن معنا فأنت علينا، وإن كنت علينا في جزئية فأنت عدو لنا في الأولويات، يؤخذ بأقوال أعدائك في الاستفسار عنك ولا يؤخذ بتوضيحك، يجادل السني الشيعي ويريد الأول أن يعترف الثاني له على انه السائر على طريق الحق ولايقبل بغير ذلك، يتناحر المتطرف مع الليبرالي ويراد من الثاني أن يقر بأنه منعدم أخلاقياً وأن المتطرف هو حامي حمى الأمة، عقدة أزلية نسير عليها وستبقى ما دام هذا هو المنهج والمنطق السائد «لابد أن يعترف المخالف لنا أنه مخطئ وأننا المصيبون» لن ترضى عنك الطوائف والتيارات السياسة حتى تصبح تابعاً لهم، ما المانع في تقبل الطرف الآخر بكل ما يحمله من فكر وقناعة، فلا أحد منا يدخل في قبر الآخر، الدين لله وبين الخالق والمخلوق، أحفظ حقوق الآخرين على حسب ما يحثك عليه دينك وراعي حقوق الناس، واحترم قوانين الدولة بحسب ما جاء به الدستور، واقبل بالتعددية المشكلة لأطياف الشعب، لا يهمني أن تكون ما تكون ما يهمني هو أمر واحد فقط «الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق» أمير المؤمنين علي عليه السلام. لم توضع القوانين إلا لتسهيل حياة الناس ولكن عندنا وضعت القوانين لكي تنتهك.
*
تردد صوت نيابي يحلق بعيداً عن السرب بالبدء بمشروع لتعديل بعض مواد الدستور، ما أن يأتي ذكر التعديل على الدستور إلا وتشحظ العيون، وتسعى الأنفس للمادة الثانية والألف واللام التي يراد إضافتها، رغم أن الدستور حث على التعديل عليه كل فترة زمنية لإيجاد مزيد من الحريات على ما يتوافق مع الظروف المدنية والاجتماعية والسياسيه للدولة، إلا أن الفكر السياسي السائد حالياً هو انه «إن لم تكن معنا فأنت علينا».
حالياً لا أعتقد أن قادة العمل السياسي يرتقون لتعديل دستور الدولة لأنه سيغلب عليه تجيير القوانين للمصلحه الدينية و الطبقية والقبلية، ولا ننسى أن الاقتراب من المادة الثانية يعني فوضى طاحنة تمتد إلى أجل غير مسمى لا يعلمه إلا علام الغيوب.

يوسف بدر العصيمي
y-alosaimee@hotmail.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون